الحملة التاريخية، تحرير منبج

منبج المدينة التي كان سماؤها يختنق بصراخ المظلومين، المستنجدين لأمل التحرير، متشوقين لرؤية توهج شمس الصباح بعد ظلامٍ طويل.
كانت لحملة منبج أهداف استراتيجية مهمة للغاية بالنسبة للمنطقة ولنا، لأننا أردنا عن طريق تحرير مدينة منبج فتح المعبر بين كوباني وعفرين وفتح طريق الباب في الوقت ذاته. من أجل ذلك قمنا بعقد اجتماعات كثيرة للتخطيط وكيفية تحقيق نجاح هذه الحملة، بعد ذلك بدأنا بحملة تحرير منبج بمعنويات وهيجان كبير، فجميعنا كنا ننتظر لحظة الانتصار بفارغ الصبر لأن مرتزقة داعش كانوا قد مارسوا أبشع الطرق وحشية ضد شعب المنطقة. انضمت الكثير من الرفيقات ضمن وحدات حماية المرأة الى هذه الحملة، فهذه الحملة كانت تعني الكثير بالنسبة إليهنّ لأنّ قطع جذور الإرهاب كان بمثابة المعجزة بعيد المنال الا اننا تجاوزنا كل المعجزات وحققناها. كانت لبعض الرفيقات تجارب في خوض الحرب وللبعض الاخر المرة الأولى بالمشاركة. عملنا على فرز الرفيقات من اجل تحقيق توازن جيد فيما بينهم ليتمكنّ من حماية بعضهنّ البعض… بيّنا لهنّ الخط الذي سيسرن عليه وفق مخطط محكم. كنا نتحرك الى جانب الرفاق الشباب وفق التنسيق الذي وضعناه قبل التحرك، كان الرفاق سعداء للغاية، وهناك بعض الرفاق الذين تركناهم في الخلف إلا انهم كانوا يفرون ليأتوا الى الخطوط الامامية. تلقينا الكثير من الصعوبات في حرب كوباني والتي كانت زادتنا بالكثير من الدروس والتجارب. لهذا كان كل رفيق يفكر بأهمية هذه الحملة، عبرنا جسر قراقوزاق لكي نصل الى الطرف الثاني بعد الكشف الجيد للمنطقة، كنا ننسق للحركة التي يجب علينا القيام بها من اجل ان لا نخطىء الأهداف، انقسمنا الى مجموعات قبل المضي ودعنا بعضنا البعض على امل اللقاء مرة أخرى بعد تحقيق الأهداف المرجوة. كنا نعلم باننا ربما لن نرى بعضنا مرة أخرى لأنها لن تكون حملة سهلة، فالعدو الذي امامنا ليس سهل النيل منه، لأنه يفكر بخطط دنيئة ومنحطة للغاية، فقد كان يعمل على تجميع الشعب وجعله كالدروع البشرية من اجل إعاقة تقدمنا.
عمد المرتزقة إلى تدمير الجسر لكي يعيقوا الحملة إلا انهم لا يعرفون أبناء الشمس والنار، لا يعيقهم أي شيء ولأول مرة استطعنا اجتياز المياه، الامر الذي جعل المرتزقة يفكرون بنا بشكل جدّي فهم كانوا يظنون بانه بتحطيم الجسر سيشكلون حاجزاً منيعاً يصعب علينا اجتيازه. قدم الرفاق من كل المناطق المحررة وكانت كل مجموعة تودُّ الوصول قبل الأخرى، كانت الروح الفدائية بارزة جداً في تلك الحملة. كانت الساعة تقارب التاسعة مساءً وكان علينا المرور إلى الطرف الآخر من الماء. الطرف الذي تتواجد فيه خنادق المرتزقة الذين كانوا قد أقسموا على إنهائنا فور وصولنا إلى الطرف الأخر من الضفة. كانت الطريق وعرة وكلها تلال لا يمكن للسيارات الوصول الى هناك، والطريق كلها كانت ملغمة بمختلف الألغام وبإحكام شديد. وصلنا الى الطرف الأخر اخذنا قسطاً من الراحة وتنفسنا الصعداء بعدها انقسمنا إلى قسمين لكي نستكشف المكان جيداً ونزيل الألغام التي تعترض طريقنا.
بعد مضي بعض الساعات وصلنا الى التلة المطلوبة قبل ساعات الفجر. دهس رفيق معنا على لغم كبير، بدأت بالصراخ وهو ايضاً صرخ لكن وبمساعدة جميع الرفاق استطعنا الخروج من هناك بسلام بعد ان عطلنا ذلك اللغم، كان هناك خندق اخر لهم للقناص. كنا نعرف ان هناك الكثير من الخنادق مثلها وانهم يختبئون فيها استطعنا الوصول الى هناك وتقدمنا الى الامام بعد تحرير تلك الخنادق. في تلك الأحيان هم كانوا يقصفوننا بالأسلحة الثقيلة إلا أنهم لم يستطيعوا النيل منا وبعدها استطعنا ان نحضر تعزيزاتنا العسكرية بعد فتح الطريق للأسلحة الثقيلة، بدأنا بفتح الجبهة عليهم لم يستطيعوا إلا الهروب منا، تقدمنا إلى الامام واستطعنا تحرير الكثير من القرى منهم وتوجهنا رويداً رويداً الى مركز المدينة، كان المرتزقة قد زرعوا الألغام في كل الأشياء التي لا تخطر على بال أي انسان! كانوا محترفين في مجال زرع الألغام لأنهم لا يعرفون غير هذا السلاح في الحروب. بعدها كنا نستخدم الأسلحة الثقيلة استطعنا قتل الكثير من المرتزقة. حقة لم تكن حملة سهلة أبداً. خاصة أننا وبعد اجتيازنا لمسافات طويلة كان المرتزقة يحاربوننا بأكثر من سلاح واحد، لكن إلى جانب هجماتهم الشديدة كانوا يخافون منا كثيراً ويرهبون من حربنا معهم لأنهم كانوا على علم بأننا إذا أردنا الدخول الى منطقة ما فإننا نفعل كل شيء من أجل ذلك الهدف مهما كان بدله ثميناً. عندما حملنا السلاح لم نكن نفكر ابداً فيما سيحصل لنا بل كنا نفكر فقط بالشعب وكيفية تحريره من ظلم ووحشية داعش. اكثر شيء تأثرت فيه في تلك الحملة كان صوت صراخ شعب منبج وهم يستنجدون بنا. فلم يكونون يرغبون الموت على يد المرتزقة وينادوننا لنحررهم من بطش داعش. حينها المرتزقة أيضاً كانوا يهددوننا ويصرخون قائلين؛ “إن اقتربتم من هنا فسوف نقتلكم ونعلق رؤوسكم في منتصف مدينة منبج”. إلا اننا كنا نصّر باننا سنعلق رايتنا فيها ولن يستطيعوا المساس بها ولن نحقق حلمهم بذلك. فالكل على علم بأنّ مرتزقة داعش لم يكن لديهم أي فلسفة سوى القتل والدمار والإرهاب والخطف والاستبداد على عكس فلسفتنا الحرة التي نناضل من أجلها.
لم يكن تحرير منبج امراً سهلاً، استشهد الكثير من رفاقنا، هناك الكثير من اللحظات التي لا تفارق الذكرة فيها كان معنا الكثير من الرفاق الذين كان لديهم أبناء أتوا ليحاربوا لأجل أن يحققوا وطن آمن لأبناء شعبهم، كان لذلك تأثير كبير علينا، كان معنا طابور الشهيد سيدو للرفاق الشباب، أرادوا الذهاب لفتح الطريق بين الباب ومنبج كانت المنطقة محفورة بالمخاطر إلا انه لم يهمهم الامر على الرغم من انهم لن يستطيعوا العودة الا بمعجزة ، دخلوا الى هناك وانقطعت الاخبار عنهم، كانوا حوالي 11 رفيقاً، لم يكن جهازهم اللاسلكي يجيب، علمنا أن المرتزقة حاصروهم. كانت أصوات الاشتباكات هناك عنيفة جداً. حاولنا كثيراً الوصول إليهم، لكننا لم نتمكن من الاتصال بهم ولم نكن نستطيع الذهاب الى هناك وفي نفس الوقت قام المرتزقة بمهاجمة كل نقاطنا بشكلٍ مكثف. كانوا يحاربوننا بالأسلحة الثقيلة لأنهم يعلمون باننا لا نستخدم سوى الأسلحة الخفيفة. استشهد عدد من رفاقنا بأسلحتهم ومن ثم عمدوا المرتزقة الى احراق الغرفة لكي لا نتمكن من اخذ الجثث. عندما رأينا ذلك كانت شرارة الانتقام تشعل في اعيننا واخذنا بثائر رفاقنا من المرتزقة واشعلنا الرعب في قلوبهم وتمكنا من تحرير تلك المنطقة. كان هناك مجموعة من الرفيقات هما روزلين وفيان وتكوشين كانوا في نقطة داخل منبج انقطعت الاخبار عنهم لم يكن يعلم أحد عنهم شيء ذهبنا الى هناك لنراهم، كانت الرفيقة روزلين وفيان مصابتان في أيديهم والرفيقة تكوشين مصابة في بطنها نتيجة لانفجار سيارة مفخخة في نقطتهم لم تكن الرفيقة روزلين مستشهدة آنذاك عندما يرى المرتزقة ذلك يأتون ويفرغون الرصاص في رأسها والرفيقة فيان كانت قد تمكنت من الهرب منهم فقد لحقوا بها ولكنهم لم يتمكنوا من القبض عليها لأنها قاومت حتى الرمق الأخير ووصلت إلى مرتبة الشهادة. كان هناك العديد من المرتزقة المصابين على الأرض وفيان ايضاً قد فقدت حياتها لأنها كانت مصابة استطعنا انقاذ الرفيقة تكوشين ولكننا لم نستطع انقاذ الرفيقة فيان وروزلين كان صعباً جداً علينا فقدانهما وزادنا عزيمة لوضع حد لهجمات العدو التعسفية.
دخلنا الى قلب مدينة منبج نحن كنا نحارب من طرف والمرتزقة كانوا يحاربون من الطرف الاخر، أما الشعب فقد كان بيننا ولم نكن نسرع لتجنب اصابتهم كان داعش يقتل الكثير من المدنيين في كل دقيقة. كما حاولت الكثير من نساء المرتزقة تفجير نفسها فينا لكن استطعنا االقبض على امرأة داعشية بعد نفاذ ذخيرتها، لم نمسها كما كانوا يفعلون برفاقنا، كان همنا الوحيد اخراج الأهالي من هناك، لأن المرتزقة كانوا يجعلون منهم دروعاً يحاربوننا بها، عندما كنا نحرر أي منطقة كانت النساء يتقدمن باتجاهنا ويلقينَ بلباسهنّ الأسود الذي كن يجبرن على ارتدائه ويحرقنه على الأرض. كما أن أصوات زغاريدهنّ تعلو في كل الارجاء، لم نكن نخاف منهنّ على الرغم من اننا نعلم بان الكثير منهن كنّ يعملن لحساب المرتزقة لم نكن نظر إليهنّ بهذه النظرة. لذا كان الكثير منهنّ يقلنَ لنا كيف تحاربون الرجال كيف لا تخافون كُنّ يستغربنا من الروح والإرادة التي نملكها، الامر الذي أدى الى انتساب الكثير من النساء الى وحدات حماية المرأة.
أثبتت YPJ بأنها القوة التي تحارب من اجل الشعب ولأجل كل امرأة، بتحرير منبج حققنا أحلام الكثير من رفاقنا الشهداء الذين كانوا ينتظرون هذه اللحظات بفارغ الصبر. الفرحة كانت تغمرنا لأننا تمكنّا من مسح دموع الأمهات ودموع كل طفل، وتمكنا من القضاء على كل المرتزقة وهمجيتهم، أخرجنا المرأة من تلك الجدران، وأنقذناهنّ من الظلم الذي كانت تعيشها كعبدة، أصبح للشعب الارادة والحرية في عيش حياته، عندما الان نسمع او نرى بالإنجازات التي تحققها المرأة العربية نفرح للغاية لأننا حاولن وبتضحيات كبيرة أن نقدم لنساء منبج هذه اللحظات التاريخية. وهذا ما يمدنا بقوة ومعنويات أقوى لنستمر في نضالنا في تحرير جميع النساء وبناء حياة حرة آمنة لكل شعوب المنطقة.
دنيز دريا