“سوسن بيرهات” مراسمُ تشييعها برّهنت نضالها وكفاحها على مرّ السنواتِ

لكلّ شهيد مراسم خاصّة يليق به وبنضالهِ وكفاحهِ على مدار السنواتِ التي كافح به العدو في سبيل نيل الحريّة لشعبه، لكن، ما إن تكون مناضلاً لـ 25 عاماً تخيّل مدى المراسم التي ستُشيّع به وسط آلاف الشعب
سوسن بيرهات
سوسن بيرهات الاسم الحقيقي (سوسن محمد) قياديّة في وحدات حماية المرأة، من مواليد مدينة عفرين 1 كانون الثاني عام1976، انضمّتْ إلى حركة التّحرر الكردستانيّة في كانون الأول عام 1996 بمدينة حلب.
في جبال الحريًة (كردستان) استنشقتْ من أيديولوجية القائد عبدالله أوجلان وطورت نضالها على أساسه، لتعطيَ مسيرةً من هذا النضال والفكر لأهالي روج آفا.
في روج آفا وشمال وشرق سوريا، وقفتْ سوسن بيرهات كقيادية على وحدات حماية المرأة، بروحها المرحة وأسلوبها وثقتها بنفسها حضنتْ حولها كلّ مقاتل ومقاتلة، ودرّبتهم على مبدأ الحريّة للقائد آبو في حماية الشعب والوقوف بوجه العدو والمرتزقة وأمام كلّ من يريد النيل من شعبهم.
في حلب قادتْ سوسن حملة تحرير حيّ الأشرفية عام 2016 بعد سنوات من سيطرة مرتزقة الائتلاف التابع للمحتلّ التركيّ، بتنظيم عشرات من المقاتلين والمقاتلات، وفي أواخر عام 2016 قادتْ حملة تلّ شعير في مناطق الشهباء ضد داعش وانتصرتْ في تلك الحملتَين.
لم تكن هذا فحسب، بل قادتْ المعارك في عدة مدن من روج آفا وشمال وشرق سوريا منها (مقاطعة الشهباء، جبهتي سري كانيه وتل تمر اللتان يستهدفهما جيش الاحتلال منذ عامين على التوالي، جبهة تل أبيض، ومقاطعة كوباني).
بعد أعوام من النضال في روج آفا وقيادة الآلاف من المقاتلين والمقاتلات، وبجهودها وتضحيتها نالتْ مرتبة الشّهادة والتحقتْ بقوافلها لتكونَ نجمة أضاءت سماء كردستان.
استشهدتْ سوسن بيرهات عضوة المجلس العسكريّ لوحدات حماية المرأة YPJ والمجلس العسكريّ لقوّات سوريا الديمقراطيّة بطائرة مسيّرة شنّها جيش الاحتلال التركيّ في الـ 19 آب الجاري، استهدفت مقرّ علاقات مجلس تل تمر العسكريّ، مع ثلاثة آخرين هما كلّ من (عكيد كركي لكي، روبار حسكة، سيف الله أحمد)، بالإضافة إلى جرح ثلاثة آخرين.
زُينت نعش الشهيدة سوسن بقطعة القماش الأحمر على أرضية الجنازة ملفوفة بشرطان الأخضر والأصفر اللتان ترمزان إلى علم كردستان، وبأكاليل الوورد الملونة وصور الشهيدة سوسن مع رفيقيها ريناس وعكيد وصورة أخرى لشهيدة سوسن في مقدمة النعش.
في مقاطعة الحسكة، شيّع الآلاف بكافّة مكوناتهم جثمان قياديي ومقاتلي وحدات حماية الشعب والمرأة وقوّات سوريا الديمقراطية الذين استشهدوا في الهجوم التركيّ على تلّ تمر، ورُوي جثامينهم في مزارات مدن إقليم الجزيرة، لتتجه جثمان الشهيدة سوسن بيرهات إلى مقاطعة الشهباء.
من الحسكة، إلى دير الزور من ثمّ الرقة وحتّى منبج استقبلوا جثمان سوسن وسط تحيات وسلامات وإشارات النصر والشعارات التي تُمجّد الشهداء.
لأنها ترعرت في أحضان الشيخ مقصود وشاركت مقاومتها، أهالي الشيخ مقصود استقبلتها باستقبال ليس له مثيل، جاب موكب تُشيعها من عشرات السيارات وأهالي الحي بجثمان الشهيدة سوسن شوارع الحي الرئيسية وسط هتافات تُحيي الشهداء، وصولاً الى دوار الشهيدة دستينا في القسم الشرقي لحي الشيخ مقصود حيث مكان مرقدها أثناء المعارك، لتودعها من هناك صوب الشهباء.
حملتها النساء والرجال على أكتافهم ويمسكون بها يميناً وشمالاً، يتقدمون نحوها ويقبلونها، بدموع تُعبّر عن فقدانهم لعظمة وخير القياديين التي ضحّت بنفسها طول السنين، وتُعبّر عن مقاومة هذا الوطن وعن ردّهم الحاسم لفلول الطغيان والعدوان التركي ومرتزقتها الذين أدمنوا على خط الخيانة والاستهداف.
الرصاصة، أو القذيفة التي أوصلت بها إلى مرتبة الشهادة أخطأت لأنها لم تصب إلا قلوبهم، والمشاهد التي نراها من مراسم تشييعها ولهفة الأهالي لتوديعها أكدت ذلك، وأكدت أنّهم على درب وفاء الشّعب لشهدائهم وعلى وقوفهم مع خط حركة الحرية ضد كل من يستهدفهم، وأنهم لن ينالوا من عزمهم باستهدافهم الفاشي والقذر، وبهذه المراسم أرسلوا رسالة إلى المحتل أن وقوفهم أقوى من طائراتهم ومحال أن يسقطوا.
ترافقت المراسم بإطلاق الشعارات التي تُمجد الشهيدة وتنادي باسمها ونضالها، وفي الشهباء استقبل الأهالي ابنتهم “سوسن” بالطبل والزمر على أنغام مدينة عفرين وحنانها وزُفت بالحناء وطرحة كالعروس إلى السماء، تنفيذاً لوصيتها بأنها إذا استشهدت يتم دفنها في مقاطعة الشهباء عبر مراسم احتفالية.
في مشاهد ترتجف لها الأيديّ وتهزُّ الجبال، تحوّلتْ مراسم تشييعها إلى ملحمة وطنية في شوارع وطرقات مدننا، تؤكد فيها إن الأمر لن تنتهي بانتهاء مراسم التشيع والدفن، وأنها ستذهب دون عودة، لكن ما شوهد أصرً على إن سوسن ستكون حية إلى يوم مماتٍ أعدائنا، وبعده.
الكلمات التي ألقيت على منصة التشييع أكّدت إنّ الشهداء لا يغيبون عن الذاكرة وأن ذكراهم ستبقى منارةً للفداء، جادوا بأرواحهم ليهبوا الحياة لشعبهم، وأن تضحياتهم ستبقى منارة فخر واعتزاز للشعب بمكوناته.
سوسن شيعت إلى مثواها الأخير بما تليق بها وبحجم التضحية والمقاومة التي قدمتها لشعبها وقائدها وحركتها.
سوسن بيرهات نامت اليوم تحت تراب وطنها بين رفاقها ورفيقاتها الشهداء الذين استقبلوها بكل ود على تضحيتها مثلما استقبلتها الأهالي لتكن واحدة منهم في مزار “شهداء مقاومة العصر” الواقعة في ناحية أحرص بمقاطعة الشهباء. ليقولوا “أننا نعيش هنا بينكم بطريقة أخرى نحرسكم ونحرس وطننا”.
سوزدار وقاص